تاريخ جمعية المحرق التعاونية الاستهلاكية


عند الحديث عن جمعية المحرق التعاونية الاستهلاكية، لابد وأن نعرج على تاريخ المحرق الذي اشتهر أهلها بالطيبة والمحبة والتعاون وهي تحتضن كل أطياف المجتمع المكون للأسرة البحرينية، فالتعايش والجيرة بين أبناء المذهبين نراها واضحة في فرجان المحرق المشتركة وكذلك كان للمحرق بجانب أقرانها من المدن الأخرى البحرينية الدور الريادي في خمسينيات وستينات القرن الماضي في مقاومة الاستعمار وكذلك قوى الشر التي حاولت شق الصف في عام 2011م.

لذلك نرى أن روح التعاون متأصلة عند الفرد البحريني، وهو الأمر الذي استمده من ديننا الحنيف وتراثنا العربي الإسلامي، فالقرآن الكريم يحثنا على العمل والتعاون والتكاتف مصداقاً لقوله تعالى:    (( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)) ، ((  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  ،((كذلك في حديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا )) بجانب ما هو معروف عن تراثنا البحريني الذي دائما يؤكد على روح التعاون ومن ذلك (( ربع تعاونوا ما ذلوا )).

إن التعاون في البحرين قديم، وإن كان أخذ الطابع الرسمي في بداية سبعينات القرن الماضي (صدر أول قانون للجمعيات التعاونية في البحرين رقم 8 عام 1972م)، وبناء عليه تأسست أول جمعية تعاونية وهي جمعية مدينة عيسى التعاونية، إلا أن التعاون في البحرين عرف قبل ذلك بكثير منذ أيام الغوص بجانب ما عرف عن الجمعيات التعاونية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في المدارس، والتي كان لها دوراً رئيسياً في ترسيخ ثقافة التعاون عند الانسان البحريني وهو الذي ميزه عن أقرانه في دول الخليج العربي.

من كل ما تقدم نلاحظ أن تأسيس جمعية المحرق التعاونية الاستهلاكية جاء نتاجاً لتلك الثقافة التي ترسخت عند الفرد البحريني، وبعد انتخاب اللجنة التأسيسية التي باشرت إجراءات جمع التواقيع لأخذ موافقة وزارة العمل، وكان التجاوب أكثر من المتوقع من قبل الأهالي، وقد تمثل ذلك في مجموع من ساهم في تأسيس الجمعية وعددهم 284 مؤسساَ وبمبلغ 137495 دينار، عقد المؤسسون اجتماعا في نادي المحرق الرياضي بتاريخ 3 يونيو 1985م تم خلاله التوقيع على عقد التأسيس لإنشاء جمعية المحرق التعاونية الاستهلاكية، وانتخبوا من خلاله اللجنة التأسيسية برئاسة السيد/ يونس عبد الله الجامع، وعضوية السيد/ محمد راشد المدني، والسيد/ جاسم عيسى الكعبي.

بلغ عدد الأسهم المكتتب بها 137495 ألف سهم بقيمة 137495 ألف دينار مدفوعة بالكامل، وتم إيداع المبلغ المذكور في بنك البحرين الإسلامي تحت حساب رقم 5665، وقد وافق الحضور على النظام الداخلي للجمعية، وشملت المناطق التي مثلتها الجمعية في حينها مدينة المحرق، والبسيتين، والدير، وسماهيج، وعراد، وحالة السلطة، وحالة النعيم، وقلالي (لاحقا منطقتي سماهيج، والدير شكلتا جمعية خاصة بهما).

وعلى أثر ذلك صدر القرار الوزاري رقم 16 لسنة 1985م بالترخيص لتأسيس جمعية المحرق التعاونية الاستهلاكية، ثم بدأت عملية الاكتتاب، وقد كانت الأعداد الكبيرة من أهالي المحرق التي ساهمت في التسجيل لعضوية الجمعية تأكيداً على روح التعاون التي جمعت أهالي المحرق، حيث وصل أعداد المساهمين خلال السنة الأولى من عمر الجمعية ما يزيد على 2000 عضواَ، وبعد انتخابات أول مجلس إدارة للجمعية عام 1986م تم افتتاح أول سوق للجمعية بمنطقة حالة بوماهر في نفس العام، وفي عام 1988م افتتحت الجمعية فرعها بمنطقة عراد، وكذلك تم التعاقد مع شركة بابكو ونادي المحرق الرياضي لإدارة محطة النادي للبترول من قبل الجمعية في العام 1988م، وفي عام 1989م كان للجمعية فرع ثالث بالمنطقة الشمالية، وتوج هذا الانتشار بافتتاح سوق الجمعية الرئيسي بالبسيتين عام 1991م/1990م وكان يعتبر في حينه من أكبر الأسواق التجارية بمنطقة المحرق.

وقد مرت الجمعية أسوة ببقية الجمعيات التعاونية بظروف قاهرة خلال التسعينات من القرن الماضي أدت إلى خسائر ترتب عليها غلق بعض الفروع، وقد استمرت الأزمة بسبب تراكم الخسائر بجانب الخلافات والمشاكل بمجلس الإدارة أدت إلى انحسار عمل الجمعية، والاكتفاء بسوق البسيتين حتى توقف العمل التجاري في مارس 1998م تم على أثره تأجير المبنى على شركة هندية، حيث استطاعت الجمعية من خلال ذلك الاستثمار أن تسدد جزء من المديونية البالغة حوالي 180 ألف دينار، إلا أن الوزارة قامت في عام 2000م بحل الجمعية تحت القرار الوزاري رقم (13) لسنة 2000م، وتعيين مؤسسة نبيل الساعي للتدقيق كمصفي للجمعية.

قام الخيريين من أبناء البحرين عامة والمحرق خاصة بالعمل على التصدي لهذا القرار من خلال رفع العرائض الموقعة من أعضاء الجمعية للقيادة السياسية، حيث توجت تلك الجهود بالأمر الملكي بإعادة العمل بالجمعية، وكان ذلك في عام 2003م تحت القرار الوزاري رقم (16) لسنة 2003م، لتبدأ مرحلة جديدة من فصول مراحل مسيرة الجمعية حيث تم تعيين مجلس إدارة برئاسة السيد / يوسف حسن العربي وعضوية كل من محمد عبد الغفار العلوي، خليفة المنصور، محمود محمد سيادي، المرحوم عبدالعزيز جمشير، عبدالله الحويحي، عبدالحميد فخرو، عبدالرحمن الفردان، خليفة الشوملي، حسن البناء، فاطمه الجودر، والمرحوم عبد العزيز الحسن، وكان من أهم إنجازات هذا المجلس السعي للحصول على أرض للجمعية من خلال مقابلة جلالة الملك المفدى، والذي أمر بتخصيص أرض للجمعية بتوبلي، وكذلك الحصول على إدارة محطة البترول القريبة من مدرسة الاستقلال.

إلا أن المجلس وبعد مرور ما يقارب الثمان سنوات من تعيينه لم يستطع أن يعقد اجتماع للجمعية العمومية، وبسبب استقالة مجموعة من أعضائه ووفاة العضو عبدالعزيز جمشير قامت الوزارة بحل المجلس وتعيين السيد/ محمود سيادي مديراً مؤقتا للجمعية وتكون له صلاحيات مجلس الإدارة وكان ذلك تحت القرار الوزاري رقم (26) لسنة 2010 بتاريخ 3 يونيو 2010م، وقد عمل المدير المؤقت على إعداد تقرير مالي وإداري متضمناً الاقتراحات التي يمكن من خلاها حل مشاكل المديونية، وإعادة تفعيل الجمعية، وكذلك عمل على إعادة تسجيل الجمعية بتعديل نظامها الداخلي حسب متطلبات قانون التعاون لسنة 2000 رقم (24)، وصدر القرار الوزاري رقم (11) لسنة 2011م بإعادة تسجيل الجمعية، ومن ثم قام بالترتيب لعقد الجمعية العمومية بتاريخ 7 يونيو 2012م، والتي تم من خلالها انتخاب مجلس إدارة جديد برئاسة السيد/ محمود محمد سيادي،  لتبدأ الجمعية فصلاً جديداً من مراحل العمل التعاوني، والذي يعتبر نقله نوعية في عمل الجمعية تمثل في تحول أوضاع الجمعية من مرحلة الخسائر إلى مرحلة تحقيق الأرباح، والتي وصلت إلى 100% من قيمة السهم في عام 2019م، وكذلك إنجاز مشروع المجمع التجاري بالبسيتين، والمتمثل في إنشاء 28 محلاَ تجارياً والواقع قريباً من مبنى أسواق ومخازن وإدارة الجمعية القائم منذ العام 1990م، وكذلك البدء في إعداد دراسات الجدوى لإقامة مشروع تجاري في أرض الجمعية بعراد بجانب سعي مجلس الادارة للعمل على إعادة افتتاح أسواق الجمعية بجانب المشاريع الأخرى التي تصب في زيادة الايرادات للجمعية.

آملين أن نوفق في تحقيق المزيد من الانجازات في المستقبل.

 

التعليقات معطلة.